إليكِ .. يا حارسة القلعة
إليكِ ... لأنكِ نهر من الماء القراح
يروي اشتياق الأرض لبرد الريّ في جفاء الجدب ....
لأنكِ .... عطاء بغير منع , و ود بغير مقابل ,
و حب سخيّ كغيث يلامس مفردات الحقول و الأشياء ,
غير ضنين بمنحه , و لا متردد في هباته ...
لأنكِ .... نسمات تتهادى في مساء الصيف ,
فـــيءٌ يبسط برد رداءه للعابرين في دروب القيظ ,
و حمائم تسبح في هديلها هادئة مطمئنة
تتسلل سكينة ترجيعها في قلوب السامعين
لتملأها سلاماً و أمناً سرمديّ المدى و السمات...
لأنكِ ... حب جارف كسيلٍ لا تصده أحجار السد ,
و عطف مطلق لا يحفظ لمواثيق الجفاء العهود ,
و تسامح لا يغريه دمع الوجد لقطع علائق الود ,
و صبر لا يشكو من ضيق ذات الصدر,
إليك .... أيتها المجبولة على حب الجمال ,
المفتونة برقة القلوب , المسحورة ببليغ البيان ,
المنذورة للعطاء الدائم , للصبر و المكابدة ,
يا رفيقة الدمع و الجهد ,
يا صائغة الحكايا العظيمة ,
و يا حائكة غزل الحياء و العز ,
إليكِ ....
كي لا تغفلي في ازدحام الصخب عن جلل المهمة ,
إليكِ ....
كي لا تشغلك رفاهة الحس و دعة العيش عن فرض الحراسة ,
و كي لا تتسلل الى يقظة القلب سنة من نعاس الغفلة ,
فيحتل اللصوص القلعة ....
إليكِ ........
يا حارسة القلعة ....
أهدي هذه الخواطر ....
............
(1)
لا تقللي من قدركِ ...
و لا يغرَّنك ما يقولون عنك ,
و لا يشغلنك اختصامهم فيك ,
فتنشغلي بمدافعتهم عن المرابطة .......
إنما التفتوا إليك لمَّا علموا عظيم منزلتك و خطورة دورك ,
فأنت الرفيقة الهادية كنجمات الشمال في اختلاط التيه ,
و بك ... تبدأ الحياة , كل حياة ...
و بهمس صوتك تصاغ الحكايا , كل الحكايا ,
و برعايتك و حدبك و سهر أحداقك و أنينك
و بحنين قلبك و تحنان عطفك تتفتح رؤى العيون لتلامس في محياك الباسم ملامح الحياة ,
و من شفتيك تبدأ مدارك العقل و الفهم تتلمس في عتمة الكون بصيصاً من نور الحقيقة ,
و في أحداق عيونك ترتسم الأحلام ,
و على كواهل كدك تنعقد الآمال الكبار ,
صغيـــــــــــــرة ,
تدق بيديها الوادعتين بابك لتحبو على أعتابك ,
كي تتحس وجِلةً مدارج المسعى ,
و تبدأ الخطوات , صغيرة متقاربة , تخطو و تكبو , تمشي و تقع , تضيق و تتسع ,
ثم , إذا أخرج الزرع شطأه و استوى على سوقه عاد إليك .... يسألك المباركة ...
و على هدي قلبك يرتسم أمام سعيه الصراط ...
فإذا أعجبك زرعك ... و انتظم في عقد الصفوف ...
فمن ذا الذي يفتح بوابات القلعة للضاربين في الأرض غيرك ,
و من الذي ستمر من بين يديه صفوف المجاهدين في سبيل الله سواك ,
و إن لم تأخذي أنت على الجنود العهد بحمل الأمانة
فمن الذي سيغرسها في قلوبهم من بعدك
و من سيُحْكِم ربط قلائد العهد في أعناقهم الأبية إن أنت غفلتِ ؟
و من الذي سيستقبل العائدين بالنصر ويكللهم بالزهر والغار والياسمين , من ...؟
فلا تأخذنك سِنةٌ من سبات الغفلة ....
فالأمر جلل ... و المهمة عظيمة .... و الرسالة شاقة ....
و الدرب طويلة .... بكى فيها الأنبياء ...
و أريقت على نواتئ أحجارها زواكي الدماء ...
و امتُحِنَ فيها أولي الصبر و العزائم حتى قالوا متى نصر الله ...
و ابتُلِي فيها المؤمنون الصادقون
فما بدّلُوا في البيعة و لا داهنوا في الحق و لا نكصوا عن الصراط ....
فمن سيعيد الى ذاكرة الأيام أمثالهم إن أنت نكصتِ ,
و من سيصمد إن أنت ضعفت ,
و من سيصدق الوعد إن أنت بعتِ ,
و من سيرابط دون أبواب الحصن إن أنت غفلتِ ؟؟؟
فإن هنتِ أنت فمن سيعــز ؟
و إن ضيَّعْتِ أنتِ فمن سيحفظ ؟
و إن اضطربت في الأرض منك الجذور ,
فأي ثبات يبقى للفروع و الأغصان ,
و من الذي سينغرس راسخاً في يقينه الحق أصله ثابت و فرعه في السماء ,
من سيفعل إن أنت هَوِيتِ ..؟؟؟
فلا تهوّني من شأنك ....
فمن قوتك يستمدون ثباتهم ...
و من يقينك يستمدون الرسوخ ...
و من نضالك يبدأ النضال ...
و بكدِّ أياديك تخضر المروج و تثمر في مواسمها الثمار ...
و من بهاءك تتفتح في القلوب الأزهار ....
و لنور عينيك تتلألأ في عتمة الليل النجوم و الأقمار ...
و لبهجة حضورك تغني في رَوْحَةِ الصبح العصافير ....
و من نبض إيمانك تتعلم الإخبات قلوب المُسبِّحِين في الأسحار ....
(2)
عندما علموا أن لا سبيل الى أبواب القلعة بغير المرور بين يديكِ ,
انشغلوا بك حتى انشغلت بهم عن المرابطة ....
و استدرجوك بالآلئ و نوافس الأحجار .
و لما علموا حب الجمال و الزهو به في طبعك ,
أفاضوا في الاحتفاء بجمال القد و الخد و اتساق القوام ,
و انسقت انت معهم ,
فشغلت بجمال يدنو فيزيف و يظهر
عن جوهر يعلو فيدق و يخفى ,
و تفننوا في فتنتك حتى فتنوا بك ,
و أنت ورائهم في كل واد تهيمين , حتى اذا دخلوا جحر شيطان لئيم فثم أنتِ ,
فأين أنتِ ؟؟
أنسيتِ نوبة الحراسة و بعدت بك عن باب قلعتك السبل و الدروب ,
فلما آنست من الدرب وحشة , و تنبهت الى النفس بعد غفلة ,
وساورك الى العود الحنين ,
فقدت معالم الطريق ,,,
و استوحشت الدار بعد ألفة ,
فأنى تعرفين الدار و قد عاثت في كل زواياها يد الفتنة و البغي ....
أنى تعرفين؟؟؟
فلله الأمر و عليه التكلان ....
أما الصغار فضائعين , و أما من عقدت عليهم الآمال فضالين مضللين ,
تافهين مهمشين في دروب التلقيد سادرين ,
يتقلبون بين رغبات سادية زائفة و طمع في الظلمات يتردى ,
و أفكار تتهافت لا تغني القلوب ولا تسمنها من جوع ,
ليس في قلوبهم من اليقين نور , و لا لعقولهم من الهدي نصيب ,
و لا لسعيهم في الغايات غاية , و لا لهمهم في العزائم راية ,
و ليس في جيوب خطوهم بوصلة الصراط ,
اجتثت شجرتهم من فوق الأرض ... فما لها من قرار ...
فلمن تعودين يوم تعودي ؟؟؟؟
و قد ضيعت الأمانة .... و فقدت في السعي حروف البدء ومواثيق العهد
و انكسرت بانكسارك سارية الراية ؟؟؟
و كيف سترأبين الصدع و قد عاثت في قلعتك أيدي الفساد ,,,
فلو أحكمت فرض الحراسة من البدء
ما تسللت في غفلة منك الى الأمة المنكوبة اسراب النمل الأبيض تنخر قواعدهم
و ما غشيتهم الغفلة و ظهر فيهم على الدهر الفساد ....
أفلا يكفيك الوصف عن المعاينة ؟؟؟
تيقظــــــــــــــي ....
فلا زال بين يديك الخير ,
و في حدقتي عينيك الوادعتين بحلم العزة يتمكن في قلب الناس النص ,
فأقيمي على بوابة اليقظة ....
و الزمي الصبر مع المرابطة ,,,
فإن أصابك الهم و الوسن .... فتذكري ....
و استعيني بالصبر و الصلاة في خشوع القلوب القانتة ....
فاذا لاح لقلبك ذكر دار القرار ,,,
هانت على الزمان المصاعب و الغايات الكبار...
يا أقدام الصبر ... احملي بقي القليل ...
(3)
فأين بنيت بيتك ِ ؟؟؟
نقار الخشب ,,,
ينحت في أصل الشجرة بيته ,,,,
و العصافير المتعجلة ,,,
تتخذ بيوتاً من القش على أطراف الفروع ,,,,
فثم إذا حان الخريف ,,,,
و تعرّت الأغصان و الفروع ,,,
انكشف لكلٍ منها ما أعدّ لنفسه ,,,
فيا حارسة القلعة ,,,
أين بنيت بيتكِ ,,,
أفي أصل شجرة الإيمان ساكناً مطمئناً لا تزعزعه عن يقينه الأعاصير ,,,,
أم اتخذت من قش الأوهام بيتاً لا يؤويك في مهب الريح !!!!!
( 4 )
" يا حاملة الكنز ...!
هل أهدرتِ كنزكِ ... ! ? "
.........................
( منقول