عاصي في بيوتنا
كتبه / أسماء المنياوي
كانت أمي وأختي، لا تجتمعان في وقت القيلولة إلا نادرًا، إذا كان هناك أمرٌ عائلي جديد لمناقشته، وكانت أمي لا تترك غفوة القيلولة أبدًا، وكانت أختي لا تغادر جهاز الكمبيوتر أبدًا، ذات يوم لاحظتُ تغيرًا في ترتيب الأحداث في البيت، سبحان الله! ها هو الغداء يجهَّز باكرًا، وها هي المائدة تُلم، والمواعين تُغسل في لمح البصر، على غير عادة أختي، أمي ليست في غرفتها، وأختي ليست أمام الكمبيوتر، ما الحكاية يا ترى؟ ما الأمر؟ هل من طارئ؟ هل يستعدون لاستقبال ضيفٍ ما؟ ما الأمر الذي غير نظام الحياة في بيتنا؟
تجولت بحثًا عنهما، ناديت: أمي، أمي، أمي، أختي، أختي، أختي، لا من مجيب، الصمت المطبق، خفضت صوتي قليلاً، فبدأ يتسرب إلى سمعي أحاديثُ بأصوات غريبة عن بيتنا، أصوات لا أعرفها، بدأتُ أتبع مصدر الصوت، إنه يقترب شيئًا فشيئًا، كلما اقتربت زاد الصوت وضوحًا، إنه صوت عذْبٌ رقيق، صوت امرأة لا تشك في حسنها من شدة جمال صوتها، يا إلهي، من هذه الضيفة المهمة؟! وكيف لم أعلم مسبقًا بقدومها، بدأتُ أقترب، وإذا بالصوت آتيًا من غرفة الجلوس، عندها رتَّبت ملابسي قليلاً، ونظمت غطاء رأسي، وتقدمت.
• " السلام عليكم".
لا من مجيب، وكان هذا ما وقعتْ عليه عيناي، أمي وأختي متسمرتان دون حراك أمام التلفزة، وعلى الشاشة ترتسم صورة فتاة حسناء تركب حصانًا، والخضرة تحيط بها من كل جانب، عندها استجمعت شتات أفكاري، وتقدمت نحو التلفزة، وقفت حائلاً أمامها، مزَّق صوتُ أمي وأختي الهدوءَ الذي كان يلفُّ المكان: " ابتعدي، ابتعدي".
• يا أمي، أجيبيني: من هذه؟ ما الأمر؟
• " اسكتي، أف اسكتي".
وفجأة صدر أمر إفراج وإطلاق سراح مؤقَّت لأختي وأمي، إنه الفاصل، الفاصل الإعلاني، دقائق معدودات تسترجعان فيها أنفاسهما، وتشربان فيها جرعات من الماء، وتسترجعان وتعلِّقان على ما وقع من أحداث، اغتنمت هذه الفرصة الثمينة، وطرحت السؤال الذي أتعبني: من هذه يا أمي؟
• " ههههه، إنها عاصي يا حبيبتي".
• أعوذ بالله، عاصي؟!
نعم يا إخواني، إنها عاصي، قلت في نفسي: سبحان الله! بعد أن كانوا يتسمَّون بأسمائنا، فنعذر لمن يتابعهم جهلهم بهم، الآن أعلنوا صراحة حالهم، ولم يتستَّروا خلف أسماء بريئة، اليوم الكل يعرف أن اسمها عاصي، والمصيبة أن الكل يتابعها، الكبير قبل الصغير، الرجال قبل النساء، المتعلمون قبل العوام، ومع الأيام اكتشفتُ أن هذا الوباء قد أتى على كل من أعرفهم، الخالة والعمة، والأخوات والقريبات، والصاحبات والجارات، الكل، وأدهى ما علِمتُه أنهن يتابعنه في حضور الرجال من إخوانهن، أو أزواجهن، أو أولادهن.
سبحان الله! لم يستحوا من الله و...! ولم تعد هناك ذرة حشمة في القلوب، لقطات وصور أتعفف عن وصفها، يشاهدها الأب مع ابنته، والأم مع ابنها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وأمام استفحال الداء، قررت أن أقوم بشيء يذكِّر الناس بدينهم، وأنَّ سمعهم وبصرهم أمانة من الله ونعمة لا يجوز لهم أن يستعملوها في رؤية ما حرَّم الله، بحثت في الإنترنت على الأحاديث والآيات، أو عن مقالة دعوية لعلها تُصلِح شأنهم، وبالفعل، وجدت مقالة ثمينة، تفصل الأخطاء العقدية الفادحة التي تمرِّرها عاصي في الناس، والخدش الفاضح لديننا، وكانت المقالة تسرد الأحداث، وتعلق عليها بآية من آيات الله، أو بحديث شريف، استبشرتُ وعزمت أن أبلغ ما فيها لأمي وأختي، اخترت وقتًا كان فيه أمي وأختي في مزاج جيد، وكانتا تتبادلان الحديث في المطبخ، وبدأت أفرغ ما في جعبتي من تذكير.
• يا أمي، إن الشيخ الفلاني قال: إن متابعة هذه المسلسلات لا تجوز.
• قالت لي: ولماذا؟
• قلت لها: ألم يحاول أحد الشخصيات في المسلسل الانتحار وكان قبلها يصلي، وهذا فيه خلل عقدي كبير، يصور الانتحار كأنه أمر مقبول؟!
• قالت لي: نعم، كيف عرَفتِ وأنتِ لا تتابعين المسلسل؟!
• ألم تنجب إحدى الشخصيات طفلاً غير شرعي، ولم ينكر عليها أحد ذلك، كأن الأمر عادي؟!
• قالت لي: سبحان الله، بالضبط، كيف عرفتِ؟! آه، لقد كشفتُك، أنتِ تتابعين المسلسل من ورائنا، ههههههه، اعترفي.
• لا يا أمي، إن أحد الدعاة أو المشايخ هو من سرد هذه الأحداث، وبيَّن ما فيها من خلل وضلال.
وعندها قالت لي: إن شيخك يا غالية، يتابع المسلسل، فاذهبي وذكِّريه.
ضاعت الكلمات أمامي، وتبعثرت أفكاري، فهل غلبتني عاصي؟!
كتبه / أسماء المنياوي